Abstract

يقول عالم النفس الأمريكي " أوقر ستريت" في كتابه (العقل الناضج): « لعل أبرز الحقائق وأخطرها عن الأسرة أنها المكان الذي توضع فيه المخلوقات الوليدة تحت رحمة الكبار من ذويهم. فقد يأتي الطفل إلى هذا العالم تكتنفه هالة من القدسية والنور، ولكن الذي يحدث لهذه الهالة بعدئذ يتوقف إلى حد كبير على موقف الكبار الذين يحيطون به ويشرفون على نموه وتربيته. فهم أول من يعلمونه قواعد السلوك، ويطلعونه على أسرار الحياة، وعلى ما تدخره له في مستقبل أيامه». (أوقر ستريت، 1963، ص 308) ومن هذا المنطلق، يمكننا القول بأنه ليس ثمة نظام يفوق نظام الأسرة خطورة بالنسبة للجنس البشري. في القاعدة الأساسية التي تقوم عليها شخصية الطفل، حيث تعتبر الأسرة نواة وجوهر عملية التنشئة الاجتماعية لهذا الأخير. ففيها يكتسب مختلف المهارات السلوكية والمعرفية والأخلاقية بما فيها المبادئ والقيم الروحية، وفيها يكون الثقة بالنفس، والشعور بالمسؤولية، وعلاقات المحبة بينه وبين الآخرين، وروح الود والتفاهم نحو غيره...الخ. وعندئذ يكون لهذه التنشئة السليمة أثرها الدائم في حياته مما يكفل له توازن شخصي متمتع بالمناعة الداخلية والقدرة على النماء وديمومته. ذلك أنه، بمقدار مناعة الكيان الداخلي لنظام الأسرة، يمكنه الانفتاح الفاعل والايجابي على العالم، مجابها تحدياته، وأخذا النصيب من فرصه. أما إذا كان النظام الأسري متصلبا في بنيانه الداخلي وغارقا في النمطية والتقليدية على مستوى عملية التنشئة، فإنه يعجز عن الانفتاح على العالم الكبير، ويكون نصيبه الجمود والهامشية والخروج من دورة الحياة. وعلى العكس من ذلك، فإن الجيل الناشئ إذا تعرض للوهن التربوي داخل النظام الأسري الذي يتسم بالرتابة والتقليدية، سيفتقر إلى المناعة والتماسك أمام الانفتاح على العالم الذي أصبح يفرض نفسه على حياة الأجيال الصاعدة اليوم بكل قوة، مما يعرض هذه الأجيال إلى التبدد في منتجاته ووسائله ذات الإغراءات الكبرى، وبالتالي الضياع فيها، فاقدا بذلك هويته، ومرجعيته، ومعها إسهامه المميز والأصيل في المشروع الحضاري